لعنة 2012: ما القاسم المشترك بين نفيساتو ديالو ومحمد مراح؟

الأكيد أن اعتداءات مدينتي تولوز ومونتوبان جنوب غرب فرنسا، لا علاقة لها بالإسلام ولا تخدمه على عكس ما ادعى مرتكبها بحسب معطيات التحقيق الحالية، المدعو محمد مراح الذي لم يتجاوز الـ 24 عاما.

 

تغطية هذه الأحداث إعلاميا نافس أفلام هوليوود من حيث عنصر التشويق وتسلسل الأحداث بشكل جنوني وعدد  المتدخلين من سياسيين ومحللين وصحافيين...ولا يخفى على أحد، أن الأبعاد التي اتخذتها هذه القضية تعود لتزامنها مع الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية التي ستنظم شهر أبريل/نيسان المقبل في فرنسا. وهذا بالضبط، ما جعلها  أكثر  وأكثر، لا تخدم مصلحة المسلمين على الإطلاق.

 

فبفضل أن هذه الاعتداءات شوهت صورة الإسلام والمسلمين من جديد واضطرتهم يبررون مواقفهم وحتى عقيدتهم، فهي أعطت الحق لبعض السياسيين الذين لا ينتظرون إلا مثل هذه الأحداث لتلميع صورتهم إعلاميا واستقطاب بعض الأصوات في الانتخابات خاصة على بعد شهر بالضبط من موعد الانتخابات الرئاسية. مارين لوبين، مرشحة حزب "الجبهة الوطنية"، المحسوب على اليمين المتطرف، لم تخفي فرحتها بمجرد الإعلان عن هوية القاتل المفترض، إذ قالت إنها كانت على حق حين  حذرت من صعود ما تسميه بالإسلام المتشدد في فرنسا. نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي، والمرشح لولاية رئاسية جديدة، هو  الآخر، لم يفوت فرصة أحداث تولوز ليظهر كالرئيس الذي "يحمي البلاد" كما وصفته بعض عناوين الصحافة الأمريكية الصادرة هذا الأسبوع، نظرا لإطلالته الإعلامية من حين لآخر لمواساة عائلات الضحايا وتوعد القاتل وحضور مراسم تأبين الضحايا والدعوة إلى توحيد صفوف المجتمع الفرنسي والكشف عن  سلسة من الإجراءات لمكافحة الإرهاب، وسنتفادى هنا الدخول في الجدل حول مدى فعالية  هذه الإجراءات وقابليتها للتطبيق. فهذه الإجراءات خير دليل على أن ساركوزي وغيره من المرشحين للانتخابات الرئاسية، ولو أنهم دعو ا إلى عدم استغلال أحداث تولوز ومونتوبان سياسيا فإنهم لم يتوقفوا ثانية واحدة عن استغلالها سياسيا والهدف، بطبيعة الحال،  استقطاب أصوات جديدة في الانتخابات الرئاسية.

 

لكن الخاسر الأكبر في هذه القضية وهنا أتحدث عن الخاسر سياسيا، هي أحزاب اليسار, فمحمد مراح كان بمثابة "غودو" الذي انتظرته أحزاب اليمين واليمين المتطرف التي كانت متعثرة في استطلاعات الرأي، لتحقق قفزة جديدة تضمن لها الوصول إلى الحكم. وبالفعل فإن اعتداءات تولوز كانت فرصة من ذهب منحها محمد مراح خاصة لنيكولا ساركوزي ،إذ ولأول مرة ، منذ بدء الحملة الانتخابية، تمكن  ساركوزي من التقدم على المرشح الأوفر حظا سابقا فرانسوا هولاند، مرشح الحزب الاشتراكي اليساريي، في استطلاع لنوايا التصويت في  الدور الأول من الانتتخابات الرئاسية المقبلة. الاستطلاع  نشر يوم توقيف وقتل محمد مراح.

 

أعتقد، أنه بعد اعتداءات تولوز، فإن محمد مراح قضى على آمال الحزب الاشتراكي في الفوز في هذه الانتخابات الرئاسية، إذ سيصعب على مرشحه المعروف بدفاعه عن المسلمين والعرب والأجانب وحقوق الأقليات أن يستدرك تأخره أمام نيكولا ساركوزي، الذي يعرج من حين إلى آخر إلى أقصى اليمين ويعد الفرنسيين بمكافحة "الإسلام المتطرف" والهجرة والأجانب الذين هم في نهاية المطاف، يقضون مضجع الشعب الفرنسي من خلال مثل هذه الأحداث. فبالرغم من كون محمد مراح فرنسي، فهو  أولا بالنسبة للعديد من الفرنسيين، عربي من أصل جزائري واسمه "محمد" أي مسلم.

 

فما شد انتباهي من خلال هذه القضية أيضا هو أنه وبعد أن أفل نجم ساركوزي في استطلاعات الرأي وبرز فرانسوا هولاند، جاء محمد مراح وقضى على بصيص الأمل الذي كان سيقود اليسار إلى سدة الحكم بعد 17 عاما  بعيدا عنه. ما فعله محمد مراح بالنسبة لليسار  وبالضبط بالنسبة للحزب الاشتراكي شبيه بما فعلته نفيساتو ديالو حين أسقطت بل ودمرت  دومينيك ستروس كان الذي كان المرشح المفترض للحزب الاشتراكي للانتخابات الرئاسية 2012. فقبل أن تفجر قضية نفيساتو ديالو التي اتهمت ستروس كان بالاعتداء عليها جنسيا في نيويورك  وكاد أن يقضي ما تبقى من حياته وراء القضبان، كانت كل استطلاعات الرأي تشير إلى فوزه وبفارق كبير على كل مرشحي الأحزاب الأخرى في الانتخابات الرئاسية 2012. كذلك وقبل أحداث تولوز، كان فرانسوا هولند، الذي كافح طويلا ليستدرك تبعيات قضية نفيساتو ديالو على حزبه، هو المرشح الأوفر حظا، ليأتي محمد مراح ويعيد خلط الأوراق السياسية. ومن ثم فإن محمد مراح ونفيساتو ديالو، وجهان لعملة واحدة أو قنبلة واحدة. قنبلة دمرت الحزب الاشتراكي وأعادت البسمة إلى اليمين، وإذا تأكدت توقعات الاستطلاع الأخير، ستتأكد معه لعنة الانتخابات الرئاسية 2012 بالنسبة للحزب الاشتراكي.

Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
1 Comments
أوافقك الرأي تماما ... شكرا لك على هذه المقالة الجميلة بالتوفيق

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.